بالمصادر الموثوقة والعديدة؛ قلعة #الحشاشين كانت معتقل للعديد من حكام وأمراء اللور (الكورد الفيليين).
بقلم: حسن فائز.
بمناسبة انتشار أخبار المسلسل التلفزيوني المصري (الحشاشين) هذه الأيام في مصر والعالم العربي، والذي يتحدث عن طائفة #الحشاشين، سوف أكتب اليوم بحث مُبسط مُستنبط من عدة مصادر عن تاريخ قلعة كانت في أحيان كثيرة معتقل لأسلاف أسرتنا وأجدادنا أمراء لورستان؛ أنها قلعة (آلَموت) الشهيرة، تلك القلعة أو الحصن الواقع على قمم احدى الجبال الشاهقة في إيران. آلموت هي حصن جبلي موجود بوسط جبال (ألبُرز) أو ما تُعرف تاريخيًا بـجبال (الديلم) جنوب بحر قزوين في (مدينة رود بار) بالقرب من نهر شاه ورد. يبعد حوالي 100 كم عن العاصمة الإيرانية المعاصرة طهران.
يُعتقد بأن أصل كلمة آلموت بعلم اللغويات هو (عش العقاب) أو ما شابه ذلك، بُني الحصن حوالي عام 840م وعلى ارتفاع 2,100 متر عن سطح البحر. وبُني الحصن بحيث لا يكون له إلا طريق واحد ملتوٍ ضيق يصل منه وإليه، لذلك أي غزو للحصن كان يجب أن يُحسب له لخطورة الإقدام على هذا العمل.
-تاريخ الحصن:
لا يُعرف الباني الأساسي للقلعة على وجه الدقة. يُقال أن من بناها هو أحد ملوك الديلم القدماء. جددها أحد الحكام العلويين عام 860م، وبقيت في أيديهم حتى دخلتها طائفة من (الشيعة الإسماعيلية النزارية)، أنهم من يُعرفَون بـ(الحشاشين) بقيادة أميرهم الشهير (حسن الصباح) الذي دخلها سلمًا بتاريخ 4 أيلول 1090م، وقضى بين أهلها ردحًا من الزمن مدعيًا الزهد ومرتديًا ملابس أهل التصوف حتى تقرب منه الجميع بمن فيهم الحاكم العلوي، فخدع حاكمها العلوي حتى تمكن من طرده منها، وقيل أنه اشتراها منه بـ3000 دينار ذهبي.
النزارية نشأت عقب موت المستنصر بالله الفاطمي سنة 487ھ (1094م)، حيث نشب خلاف في البيت الفاطمي بين من رؤوا أن ابنه نزار هو الأحق بالخلافة وبين من رؤوا أن ابنه الآخر أحمد المستعلي بالله هو الإمام.
بقيت هذه الطائفة موجودة في قلعة آلموت حتى دمرها القائد المغولي (هولاكو خان) وهو في طريقه لغزو بغداد بتاريخ 15 كانون الأول 1256م. كانت القلعة حصينة جداً، لكن ركن الدين خورشاه (آخر أمراء الحصن من الطائفة الإسماعيلية النزارية) استسلم بدون قتال على أمل أن يرحمهم هولاكو، وهو مالم يفعله، فقد دمرها بالكامل.
منذ ذلك الحين، صارت قلعة آلَموت عبارة عن بقايا وأطلال، كلما سيطرت دولة ما على إيران، صارت القلعة تابعة لتلك الدولة ولملك تلك الدولة، يستعملها كما شاء.
بعد عدة قرون، سيطر الصفويون على إيران بقيادة الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي (سنة 1501م). الملوك الصفويون بدورهم استخدموا قلعة آلموت كمنفى ومعتقل لمعارضيهم والمتمردين على حكمهم.
-أمراء وحكام لورستان وقصتهم مع قلعة الحشاشين:
بالرجوع إلى لورستان (أرض اللور الفيليين)، فكان يحكمها في ذاك الوقت أمراء وحكام سلالة قديمة تُعرف بإسم (الأتابكة بنو خورشيد)، وبنو خورشيد سلالة لورية قديمة كانت تحكم تلك الأراضي منذ عهد الخليفة العباسي الناصر لدين الله (سنة 1184م) عندما سيطر سلف الأسرة الأكبر الأتابك (شجاع الدين خورشيد) على خرم آباد وكل الأراضي المحيطة (خرم آباد حاضرة وعاصمة لورستان).
بعد سيطرة الدولة الصفوية على كل إيران سنة 1501م، أعلن الأتابك الخورشيدي في خرم آباد (شاه رستم الأول) عدائه العلني للصفويين وملكهم الشاه إسماعيل الصفوي، فقام الأخير (أي إسماعيل الصفوي) بتوجيه جيوش مدججة بالسلاح إلى خرم آباد من أجل قمع الأتابك اللري شاه رستم وأتباعه، إلا أن شاه رستم تحصن بجبال بلاده المنيعة فترة طويلة، إلا أن اشتداد الحصار جعل من شاه رستم يعدل عن عداوته للصفويين حتى تمكن من عقد اتفاقية ولاء للشاه الصفوي، وحصل لقاء فعلي بينهم في قزوين (سنة 1508م)، وقد ذكرتُ لكم سابقًا تفاصيل مهمة عن هذا اللقاء وكيف أنه لأهميته ظهرت حتى نتاجات فنية (من لوحات فنية وغيرها) تُمثل وتُظهر هذا اللقاء المهم وشخوصه.
بعد سنين طويلة، توفي شاه إيران الصفوي وأتابك لورستان الخورشيدي، وصار الحكم في ورثتهم وابنائهم، فإيران الصفوية صارت بيد (الشاه طهماسپ الأول بن الشاه إسماعيل الصفوي)، أما أتابكية لورستان فصارت هي الأخرى بيد الأتابك (اوغور بن شاه رستم الأول الخورشيدي). إلا أن اوغور هذا حينما غادر لورستان ليلتحق بركب الشاه الصفوي في حربه الكبرى ضد الأوزبكيين (شمال إيران) ترك اخوه (جيهانكير بن شاه رستم الأول الخورشيدي) كنائب له في خرم آباد، إلا أن جيهانكير طمع في المُلك فأنقلب على شقيقه وموكله الأتابك اوغور الخورشيدي وأعلن نفسه أتابكًا على لورستان مما حدا بأن يعود أوغور على وجه السرعة لإخماد تمرد شقيقه إلا أن الدائرة قد دارت عليه فقُتِل اوغور على يد شقيقه المتمرد جيهانكير، هذا ما أثار حفيظة الشاه طهماسپ الأول الصفوي الذي سَيرَ بعد سنوات عدة جيشًا قمع فيه تمرد الأتابك جيهانكير وأعدمـ.ـه.
بعد انتهاء الحرب، صار حكم أتابكية لورستان الوراثي بحكم الأمر الواقع إلى ابن الأتابك جيهانكير الأكبر (شاه رستم الثاني الخورشيدي).
أقنع (أبو مسلم الگودرزي)، وزير ومربي شاه رستم الثاني الخورشيدي وأحد أهم أمراء جيشه، بأن شاه إيران قد أعترف بحكمه على لورستان (اي حكم شاه رستم الثاني على لورستان) وأنه يتوجب زيارة الشاه في العاصمة الصفوية قزوين. بعد أن وصل شاه رستم الثاني مرغماً من قِبل أبو مسلم إلى قزوين قام أبو مسلم بخيانته وتسليمه للحرس الصفوي الذي قيده ووضعه بأمر الشاه الصفوي طهماسپ في قلعة (آلموت) الشهيرة الواقعة في منطقة جبلية معزولة شمال إيران، ومن أجل ذلك، أنعم شاه إيران على أبو مسلم الكودرزي بأمارة اصطبل خيله الخاص (مير آخوريته) وذلك لخدماته في إلقاء القبض على شاه رستم الثاني.
إذن هُنا وفي بحثنا وصلنا إلى أول حاكم خورشيدي للورستان يصير حبيس قلعة #الحشاشين على يد #الصفويين أما في لورستان فلم يوجد وريث شرعي من السلالة إلا الأمير محمدي بك شقيق شاه رستم الثاني، إلا أنه كان لازال طفلاً في سن صغيرة لا تمكنه من الإمساك بزمام الحكم، فأخذه نبلاء وقادة لورستان فأخفوه في قلعة چنگوله (قلعة الغابة) قرب الأراضي العراقية لتهيئته لتولي الحكم فيما بعد وكلفوا قوة عسكرية كبيرة لحماية القلعة والأمير. أما في لورستان؛ فَلم يتبق أي شخص من الأسرة الحاكمة لتولي الحكم، لذلك انتشرت بين شعبها وقبائلها الفوضى والاضطرابات والحروب الأهلية لمدة طويلة.
هذه الحروب الطويلة وظهور شخص شبيه لشاه رستم الثاني في حادثة غريبة، استغل معها هذا الشخص شبههُ بشاه رستم، جعله يخدع الناس وحتى القادة ليحكم لورستان على أنه شاه رستم، كل ذلك حدا بالشاه الصفوي طهماسپ أن يخلي سبيل الأتابك الحبيس في قلعة #الحشاشين وبل يعطيه حكم لورستان ليسترجع فيها النظام! وهذا ما حصل عندما عاد شاه رستم الثاني إلى لورستان، فلم يستغرق الأمر حتى استتب له الحكم مطلقًا في كل أرجاء لورستان.
لكن هنا ظهر الأمير الذي ذكرناه قبل قليل، أنه (محمدي بك) شقيق شاه رستم الثاني، الذي لم يرضى بعودة شقيقه بعد أن قضى سنين عديدة في قلعة چنكوله يخضع لتأهيل كامل ليتولى حكم لورستان، فتمرد على شقيقه الكبير حتى سيطر على أراضٍ ومقاطعات واسعة من لورستان.
لكن بعد خدعة طويلة تم القبض على الأمير محمدي بك من خلال وليمة نظمتها زوجة الأتابك شاه رستم الثاني (شاه پرور بنت الأتابك أوغور الخورشيدي). فتم تسليم الأمير محمدي بك إلى الشاه الصفوي، الذي أمر مرة أخرى بأن يوضع الأمير محمدي بك الخورشيدي قيد الاعتقال في قلعة #الحشاشين فكان محمدي بك الخورشيدي ثاني حبيسيّ قلعة الحشاشين من أمراء اللور.
قضى محمدي بك سنين طويلة في قلعة آلموت، لكن بقي في لورستان أربعة أبناء لمحمدي، بمن فيهم ابنه الأكبر (شاهوردي خان بن محمدي بك)، الذي من أجل تحرير والده؛ صار يقود غارات عسكرية يهاجم بها مدن تابعة لعمه الأتابك شاه رستم الثاني ومدن أخرى تابعة للشاه طهماسب الصفوي بغية الضغط عليهم من أجل تحرير والده من قلعة آلموت، وهذا ما نجح به، فقد تم تحرير الأمير محمدي شريطة أن يبقي أولاده الأربعة هؤلاء رهائن عند الشاه الصفوي، لكن تمكن هؤلاء الأولاد من الهرب بعد فترة إلى لورستان ليلتحقوا بوالدهم الذي صار أتابكًا بعد أن انقلب على شاه رستم الثاني ونفاه إلى شمال إيران.
مرت السنين، وتبدل الحكام، فإيران صار يحكمها حفيد طهماسب (الشاه عباس الكبير الصفوي)، أما لورستان فقد صار يحكمها ابن محمدي بك (شاهوردي خان بن محمدي) الذي ذكرناه آنفًا عندما قاد غارات مسلحة ضد عمه وضد الصفويين من أجل تحرير والده حبيس قلعة #الحشاشين. وشاهوردي خان هذا كان ذا نزعة استقلالية طيلة فترة حكمه للبلاد، ميالاً للحكم مستقلاً عن الصفويين أو عن غيرهم، هذا مما أثار حنق الشاه عباس الكبير الذي كان يريد توحيد إيران كلها خالصة تحت حكمه القوي، ورغم المحاولات العديدة التي حاول بها الشاه عباس الكبير في أن يضم شاهوردي خان تحت جناح الدولة الصفوية حتى وصل الأمر بأن أعطى لشاهوردي خان أميرة من السلالة الصفوية زوجةً له وتزوج الشاه من اخت شاهوردي خان، الا أن هذا لم يجعل شاهوردي خان يعدل عن استقلاليته، والتي أودت به لاحقًا إلى الفناء على يد الشاه عباس الكبير الذي توجه بنفسه أخيرًا إلى لورستان على رأس جيش جرار ليقتص من شاهوردي خان ويتخلص منه للأبد، فكان له ما نوى، فقد اعدم شاهوردي خان على ضفاف نهر سيمرة في لورستان، واعطى مقاليد حكم لورستان إلى ابن عمة شاهوردي خان وسبط (سليل) الأتابكة (حسين خان الأول السلورزي) الذي صار الحكم في نسله حتى القرن العشرين الميلادي (القرن الماضي).
كان لشاهوردي خان ولدان، تم اعتقال كلاهما بأمر الشاه عباس الصفوي خلال أول سنة من عهد حكم قريبهم (أبن عمة والدهم، وزوج أختهم) الحسين خان الأول، أي سنة 1598م-1599م. تم نفيهما بأمر الشاه إلى قلعة #الحشاشين (آلموت)، وهذه المرة الثالثة التي تصير فيه قلعة الحشاشين مسكنًا ومعتقل لواحد أو أكثر من أمراء اللور (الكورد الفيليين).
مصير هؤلاء الأمراء (ابناء شاهوردي خان) النهائي غير معروف على وجه الدقة. لربما قد فَنوا في هذه القلعة الشاهقة وكتبت نهاية حياتهم فيها.. ليكتبوا نهاية سلسلة الأمراء اللور حبيسيّ قلعة #الحشاشين.
المصادر:
1- شاه عباس کبیر، همان؛ صفحة ۲۱۲ (مصدر باللغة الفارسية).
2- كتاب شرفنامه لشرف الدين البدليسي، تأليف سنة 1596م، ص169 (مصدر مهم ومعاصر لحكم شاهوردي خان نفسه).
3- كتاب تأريخ الدول والإمارات الكوردية للمؤرخ محمد أمين زكي بك، ص164.
4- كتاب الفيليون للباحث نجم سلمان مهدي الفيلي، ص60.
5- كتاب تاريخ الكورد الفيليون وآفاق المستقبل للشيخ زكي جعفر/الفصل السابع/ص234-ص236
6- الإسماعيليون في العصر الوسيط، فرهاد دفتري، ص192.
7- نزهة القلوب، طهران: دنیای کتاب، ص 61.
الصور الملحقة بالمنشور:
• الصورة الأولى عبارة عن خارطة للعالم الألماني (يوهان بابتيست هومان-Johann Baptist Homann) تُظهر ممالك إيران بما فيها لورستان (الفترة: 1700-1720).
• الصورة الثانية عبارة عن رسم يُظهر الاجتياح المغولي بقيادة هولاكو خان لقلعة آلموت سنة 1256م. بريشة الرسام الهندي-المغولي (باساوان) المتوفى قرابة سنة 1600م.
حسن فائز-Hassan Faiz
مدونة تاريخ إمارة لورستان-History of the Principality of Luristan