-المعركة الفيَلية الأخيرة (معركة رنو)-

بعد أن سقطت الدولة القاجارية عام 1925م، سيطر (رضا البهلوي) على ايران فتربع على عرشها مُعلناً نفسه (شاهاً)، لذلك أخذ يراسل حكام الإمارات والمقاطعات المُستقلة طالباً منهم الاستسلام والاعتراف بحكمه المُطلق.
 كان أكثر شيء يشغل بال الشاه بهلوي في بداية حكمه هو السيطرة على كل الأراضي المستقلة وتوحيدها في حكومة مركزية موحدة عاصمتها طهران، وأكثر تلك الكيانات التي كانت تقف عقبة في تحقيق حلمه هي الحكومة الذاتية في پشتكوه (حكومة ولاة لورستان)، حيث كان الوالي اللري ذو كفاءة وقدرة، حتى أن جميع المصادر (بما فيها مذكرات المبعوثين والمُستشرقين الغربيين) ذكرت أن للوالي قوات مُسلحة يناهز عددها أيام الحروب (30,000).
لذلك أرسل رضا بهلوي للخان رسولاً خاصاً مع رسالة، يُعاهد فيها الوالي بإحترام حدود الولاية والاعتراف به حاكماً رسمياً على تلك الأراضي دون أي منازع، في مقابل تأييده للسياسة الداخلية والخارجية للحكومة الإيرانية المركزية، وإعلان التبعية للسلطة، و جعل كل (پشتكوھ) منطقة منزوعة السلاح، وبعد عدد من الإجتماعات والمداولات الرسمية بين الوالي والرسول على الصيغة النهائية لهذه الوثيقة، أتفق الطرفان على نصوصها كما ذكرنا (والتي كانت معززة باليمين وآيات القرآن الكريم، وحاملةً لتوقيع كُلاً من الشاه والوالي على الصفحة الأولى).

ولكن رضا البهلوي كان ينظر بعيداً، حيث كان غير راضي بوجود منافس له داخل الدولة، لذا بدأ بحياكة المؤامرات بغية التخلص من الوالي نهائياً (وأولها هي نقض الأيمان والآيات التي قام بوضعها هو، ونقض المعاهدة نفسها) واخيراً إستطاع أن يزعزع الوالي بفضل الدسائس (من خلال عدة أحداث سنتطرق لها في المستقبل إن شاء اللّه).

تمكنت قوات بهلوي أخيراً من احتلال منطقة (پشتكوه) عسكرياً، وذلك لم ينجح إلا بعد أن تم تجريد قوات الوالي من السلاح (حسب الإتفاقية المبرمة بين الطرفين، والتي نقضها رضا بهلوي)، وهكذا مهد الطريق للجيش الإيراني بقيادة القائد (علي خان الدرخشاني) للتدخل في شؤن الاهالي واحتلال كافة المرافق والقصبات وفرض الضرائب الفادحة على الأهالي الفيليين، فقد بدأ الجيش الإيراني  بالتعدي والترهيب واستفحل الظلم  والنهب والسلب والعبث بمقدرات الكورد بشكل لم يسبق له مثيل، حيث كانت هذه القوات أول قوات محتلة تدخل المنطقة منذ مئات السنين.
وهكذا أخذت حركة الثورة والعصيان بالتزايد واعتزم أهالي بشتكوه على إعلان المقاومة المُسلحة بالرغم من عدم وجود السلاح الكافي (بسبب الإتفاقية كما أسلفنا)، وقد كانت عشيرة (الملكشاهي) ورؤساءها في طليعة العشائر الثائرة، وبقيادة عدد من أبناء الوالي، لاسيما (يد اللّه خان) أبن غلام رضا الذي قام بإعلان نفسه والياً على إيلام، وبمساندة مباشرة من رئيس عشيرة ملكشاهي، الزعيم (شا محمد ملكشاهي بك) الذي كان مقرباً من الوالي غلام رضا ومن الموالين له، فتكونت الطليعة الثائرة للثورة، إذ هاجمت القوات الثائرة الجيش المحتل هجوماً مباغتاً واستطاعت إعلان السيطرة وتحرير جميع المراكز الرئيسية في المنطقة بعد معركة ضارية ستبقى علامة في تاريخ البطولات الثورية، وهكذا نشبت الثورة بين عموم أبناء القبائل، وانضمت لهم قبائل(بيريي- ماليمان) وأخذت بدورها تشن الهجمات وتضرب معسكرات الجيش بضربات قاصمة وقد كان رؤساء القبائل وشيوخها على تواصل دائم بينهم، محاولين توحيد الصف أمام عدوهم الشرس، بينما فرضت قوات (يد اللّه خان) الخاصة الحصار على المقر العسكري للقائد الإنكليزي في إيلام (السير گوپال).

وهكذا تكونت الثورة التحررية حتى استطاعت القوات الثائرة بعد معارك بطولية وخالدة من تحرير مدينة (حسين آباد) مركز قيادة الجيش الإيراني وهم يقومون بالهُتاف بشعارات من قبيل: ("أنت لست الشاه بل هو الوالي") أو ("لا شاه إلا الوالي") وغيرها، وبعد تحرير عموم إيلام توجهت القوة الثائرة نحو كرمانشاه تتعقب القوات الإيرانية وعند منطقة (ايوان غرب) حيث يقع فيها جبل (رنو) تمركزت القوات الإيرانية في الجانب الآخر من رنو، فكانت القوات والإمدادات تصل لهم من خلال الخطوط الخلفية لذلك الجانب، فسرعان ما وصلت الآليات والفرق العسكرية الإيرانية المدججة بالسلاح الثقيل (بإسناد مباشر من الإنكليز) وأخذت المدفعية  والطائرات تقصف الجبل بوحشية ومباشرةً على خطوط الثوار، حتى شمل القصف جميع المسالك الرئيسية، وعلى الرغم من كل هذه الأوضاع الصعبة، فقد تمكنت القوات الثائرة من احتلال المراكز المهمة على الجبل لمدة 25 يوم تحت نيران الطائرات والمدفعية الإيرانية، الا أنه في النهاية تعذر على الثوار وأبناء القبائل الاحتفاظ بمراكزهم لقلة العتاد والسلاح والتموين (فضلاً عن بساطة السلاح والذي كان عبارة عن بنادق أمام الجيوش المدججة بالدبابات والطائرات الإنكليزية)، فأنسحب المقاتلين الفيليين من جبل رنو وكرمنشاه بعد أن قدموا كوكبة من الشهداء من خيرة رجال اللور الفيليين.

أما في إيلام، فقد انسحبت قوات يد اللّه خان من إيلام بعد وصول الأنباء بتحرك قوة عسكرية (انكلو-فارسية) كبيرة للغاية لفك الحصار عن مقر القيادة الإنكليزية، فأنسحب يد الله والقوات التي تحت امرته نهائياً، حتى لا يكون سبباً في إراقة المزيد من الدماء في معركة خاسرة، خصوصاً مع خيانة بعض رؤساء القبائل الطامعين بالحكم مثل (فرامرز أسدي)، والذي سيحكم محافظة إيلام فيما بعد (تحت سلطة بهلوي).
وهكذا إنتهت ثورة، سطر فيها الفيليين أروع آيات التضحية والشجاعة في سبيل التحرر والإستقلال.

-المصادر:

1. كتاب تاريخ الكرد الفيليون وآفاق المستقبل الشيخ زكي جعفر / الفصل السابع / ص250

2. كتاب الفيليون، الكاتب نجم سلمان مهدي الفيلي / ص48

3. https://www.gilgamish.org/2009/11/16/22575.html

-ملاحظة مهمة: هذه المقالة قد تم إقتباس أجزاء واسعة منها من إحدى مقالات الباحث (أبو شيرين الفيلي)؛ وهذا رابط المقالة:

https://sites.google.com/site/kurdyfily/


حسن فائز فوزي

الصورة تعود لمُقاتلين من اللور (البختيار)، التُقطت أوائل القرن العشرين (سنة 1909م).

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حداد على ضحايا حريق (بغديدا-الحمدانية) Mourning for the victims of (Baghdida-Hamdaniya)

صورة من التاريخ